مع انعقاد قمة المناخ «كوب 26»، تتفاوض جنوب أفريقيا مع عدد من الدول الغنية حول كيفية إصلاح قطاع الكهرباء المعتل لديها، فيما يمكن أن يصبح نموذجاً للتمويل المناخي للبلدان الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على محطات الفحم.
ولن يقدم العرض المخطط له، بتكلفة تصل إلى 15 مليار دولار، الدعم المالي للمرافق المملوكة للدولة فحسب، بل سيدعم أيضاً التغيير الاقتصادي والاجتماعي على نطاق أوسع، أو ما يسمى «التحول العادل»، في مجتمع شديد التفاوت والانقسام.
ويمكن أن تساعد الخطة في إقناع الدول النامية الأخرى، ومعظمها في آسيا، بتأجيل خطط بناء محطات فحم جديدة. وقد قال مايك مولدون، العضو المنتدب للتمويل المبتكر في مؤسسة روكفلر: «أعتقد أن هذا يمكن أن يكون إنجازاً مهماً للغاية في مؤتمر المناخ إذا تم الإعلان عن الخطوط العريضة التي يمكن أن توفر نموذجاً لإبرام اتفاقيات مماثلة على مستوى الدول. وأرى أن هذا أحد الحلول القليلة التي تناسب حجم التحدي».
وتريد جنوب أفريقيا، التي يعد اقتصادها من أكثر الاقتصادات كثافة في استخدام الفحم على مستوى العالم، توجيه الاستثمار إلى مصادر الطاقة المتجددة والبدء في إغلاق منظومة طاقتها المتقادمة المكونة من 15 محطة تعمل بالفحم وتنتج كميات كبيرة من الكربون، والتي توفر 84% من الكهرباء في البلاد.
وفي تقرير صدر في سبتمبر، وأُرسل إلى الأمم المتحدة قبل قمة جلاسكو للمناخ، تعهدت جنوب أفريقيا بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى الثُلث بحلول عام 2030 وإغلاق ست محطات طاقة تعمل بالفحم للالتزام بمسار يصل إلى 1.5 درجة مئوية من التغير في درجات الحرارة العالمية منذ أواخر القرن 19.
لكن جنوب أفريقيا لا يمكنها إطلاق خطتها دون مساعدة دولية من الحكومات، وكذلك مستثمري القطاع الخاص. فشركة المرافق المملوكة للدولة «إيسكوم» غارقة في ديون تزيد على 27 مليار دولار. وبعد اقتراض الكثير من الأموال لبناء محطات الفحم، لن تتمكن من جمع أموال كافية لاستثمار ما يكفي في مصادر الطاقة المتجددة أو خطوط النقل. وقد أثار انقطاع التيار الكهربائي المتكرر غضب السكان والشركات وجعل «إيسكوم» هدفاً للنقد في الانتخابات البلدية الأخيرة. وقد تؤدي إعادة هيكلة قطاع الكهرباء إلى ترك حوالي 120 ألف عامل في محطات الطاقة والمناجم بلا عمل، الأمر الذي يتطلب إعادة تدريب وتحسين الخدمات الاجتماعية.
ويمكن لخطة الإنقاذ الاستفادةَ من الأموال الأميركية والأوروبية، ومؤسسات الإقراض متعددة الأطراف، والمؤسسات الخاصة. ويمكن أن تشمل أيضاً السندات التي سيتم دفع فوائدها في شكل تقليل الكربون.
وصرّح جون مولتون، المستشار المناخي الأول بوزارة الخزانة الأميركية، بأن الأموال يمكن أن تساعد «إيسكوم» على استعادة إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال ومساعدة العمال المتضررين. وقالت هيلين ماونتفورد، نائب الرئيس لشؤون المناخ والاقتصاد في معهد الموارد العالمية، إن خطة المناخ الجديدة لجنوب أفريقيا، المعروفة باسم «المساهمة المحددة وطنياً»، والتي تؤكد التزام البلاد بالتحرك صوب هدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، «تمهد الطريق للبلاد للاستثمار بكثافة في الطاقة النظيفة مع تسريع التحول بعيداً عن الفحم».
وقالت كاتي روس، من معهد الموارد العالمي، أيضاً: «من المرجح أن تشمل الأجزاء الرئيسية من الصفقة نشراً أسرع للطاقة المتجددة وابتعاداً أسرع عن الفحم، مع إبراز جدول أعمال الانتقال العادل بشكل بارز». وأضافت أنه من المهم «ضمان الارتقاء بالمجتمعات وبسبل العيش المرتبطة بصناعة الفحم وحمايتها في الفترة الانتقالية»، خاصة في المنطقة الشمالية الشرقية من مبومالانجا، حيث توجد 90% من مناجم الفحم، و70% من محطات توليد الطاقة بالفحم.
وتتمتع جنوب أفريقيا بمساحات كبيرة مناسبة تماماً لإنتاج الطاقة الشمسية، لكن حتى هذا العام كان المستثمرون يُمنَعون من تركيب ألواح لإنتاج أكثر من ميجاواط من الطاقة الشمسية دون موافقة إيسكوم، التي تمتلك أيضاً خطوط النقل التي تشكل شبكة الكهرباء. وقد استخدمت إيسكوم موقعَها لمنع أي منافسة لها من موردي الطاقة المستقلين الذين يهددون احتكارَها. وأفاد عضو في اللجنة الاستشارية الرئاسية بأنه تم تحرير القانون الآن للسماح ببناء مشاريع كبيرة تصل إلى 100 ميجاوات دون موافقة إيسكوم.
وقال كينيث كريمر، الخبير الاقتصادي بجامعة ويتواترسراند بجوهانسبرج: «الحقيقة هي أن هناك توافقاً بين ضرورات الاقتصاد والسياسة العامة، حيث ظهرت مصادر منخفضة الكربون للطاقة كخيار أقل تكلفةً. ونظراً إلى أن جنوب أفريقيا عانت لأكثر من عقد من نقص الكهرباء، فإن القدرة الموسعة لتوليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية توفر الحل الأسرع والأرخص».
ومع استمرار المفاوضات، تتشكل أجزاء من الصفقة. وقال كريمر: إن الأموال أو المنح والقروض الجزئية ستأتي على ثلاث شرائح مدتها خمس سنوات، تبدأ صغيرة لتمويل دراسات الجدوى وتستمر حتى عام 2035. وسيضم المشاركون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا. كما يلعب البنك الدولي وذراعه الربحية، مؤسسة التمويل الدولية، أدواراً مهمةً.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»